الخميس، 12 فبراير 2009

و قـدْ أيـقـنــْـت..!

فـي أول مرة ٍ أخرج ُ فيها من البيت بعد ما يقارب شهر و نصف كان من ضمنها الحـرب و من ما بعد الحرب .. // ..
كنت ُمشتاقة لضجيج السيارات ،،للبائع ِالصغير الذي اعتدت ُ أن يلقيَ عليّ صباحات ٍ مـُعذَّبة من طفولته أمام باب جامعتي كـلّ يوم..
اشتقت ُ
لطفولته البائسة ،، إلى فرحته الكبرى التي لا تتجاوز قبضة َ يده..! ،، إلـى أشيائـه ِ الصغيرة التي لا تزيد عن عـِلكـة قاسيـة و القليل من البسكويت البارد
فـكـّرت كثيرا ً بتجارته الخاسرة وقت الحرْب ،،
و السؤال الذي راودني : كيفَ كـان يقتات طيلة اثنـي وعشرين يومـا ً - عذرا ً أقصد اثنـيْ وعشرين ألـف َ مـَـوْت - ولا إجابـة َ له لـَـدَيْ ..!
خـرَجـْت..لأيقن بأني لا زلت ُ على قيد الحياة وبأنّ ثمة اّخرين كثيرين قد خرجوا إلى الحياة قبـْلي ،،
اشتهيت ُ السـيـر بطيئا ًفي شوارع المدينة ،، و ممـّا أشعـل َ غيظـي أنـْ كـان َالسائق ُ يـُهرول بـي كـأنـّا هاربون مـن المـوت ِ إلـى المـوت {
بالمناسبـة نحـن ُ لـم نـهـرب من المـوت الأول.

في طريقنا إلى الجامعـة ذلك اليوم.. استوقفـتـْ غرابة السائق إشارة ُ مرور مـُـهشـَّمـة ،، بـدت عليه الحيـْـرة لولا رجـل المرور أمـرَه بالتوقف بضع دقائق تجرّأت خلالها و رفعت بصري نحو حطام مبنى
و لـمْ أحـزن..!

ساحة جامعتي كانت هادئة ،، كـان َ الجميع يـُتقن ُ الصمـت..!
كنـا نحاول الرجوع بالذاكرة
،،
تـراءت لي ضحكاتُـنا - التي سبقت بداية الحرب بأيام ٍ قلـّـة - على كل ّ مقعد
ابتسمتـْ
و أيقنتـْ أنـّ في كـلّ مكان ثمـّـة َ أشياءَ جميلة لا تمــوت ْ حتى بالقصف..!

ها أنا ذا خرَجْـت و لم أكن متأكـّدة بأني سأستطيع الخروج بحماستي الأولى ،،
شئ ٌ ما كان يدفعني نحو تجاهل كل المشاهد الجديدة خارج عتبة الباب ،،
هو ذات الشئ الذي كان يدفع بي نحو َالتمركز في ساعتي و هاتفي و جدران لم يصل إليها اليأس..!
فقط تحتفظ مخيلتي بصورة للأشياء الخارجة عن نطاق تواجدي ،،
هنا في متر مربع واحد أجلس ويتسع لكل أشيائي الجميلة معي..تـلك َالتي بقيت ُعلى قيد ِالحياة من أجلـها،،ذاكرتي ودفتري و شئ ٌ من الأمل المـُـخبـّـأ..!

المدة أمدّتني بفلسفات جديدة..قرأت ُ ذات َ يـوم للكاتب زياد خـدّاش ، هذا الرجـل منحني قدْرا ً كـافيا ً من الإحساس بأن البيت هو أجمل ما يمكنني التجول به،، تشـرّبت ُ تلك َ الفلسفة البـَيتويـّة ،،أو أنها كانت تعجبني قبل َ ذلك بكثير..

فترة زمنية و مضـَـت ..

و قـدْ أيقـَنـْت { بـأن ّهناك شـيئـَـيْن فـي الحياة لا نستطيع أنـْ نقول َ في وجهيـْهـما " لا " .. أحـدُهمـا
المــوْتـ ..!

: )
...